Success stories of Palestinian achievers from all over the world
مبادرة "خشب صناعي صديق للبيئة" تحوّل المخلفات إلى ثروة

مبادرة "خشب صناعي صديق للبيئة" تحوّل المخلفات إلى ثروة

11-Oct-2020

 

 

حين تخرجت فائدة الشرفا (37 عاما) والأم لخمسة أطفال أخذت تنظر إلى النصف المليء من الكأس، فلم تستسلم للبطالة وللإحباط المحيط بها، وأرادت أن تكون إيجابية، فبدا لها الركام المحيط كنزا إن أُحسن استثماره.

تخرجت فائدة بتخصص أساليب تدريس اللغة العربية، ولم تكن قد حصلت على وظيفة في ذلك الوقت، فأرادت استغلال وقتها بشكل أمثل، أفكار كثيرة راودتها، لكن مشهد القمامة والكراتين الفارغة على مدخل بلدتها "بيتا"، لم يرق لها، حيث يوجد في بيتا حسبة خضار مركزية، تنتج يوميا أكواما من الكراتين الورقية والقمامة التي تمثل مشهدا مزعجا لأهالي البلدة والزوار.


 

"كنز" المخلفات

تمتاز بلدة بيتا قضاء نابلس بوجود أكثر من معصرة زيتون تعمل فيها، وحسبة الخضار المركزية، إضافة لوجود مناجر خشب وما ينتج عنها من كميات هائلة من نشارة الخشب التي تذهب سدى في غالبية الأحيان ولا يتم استغلالها، نعمة ونقمة في ذات الوقت، نعمة بالأهمية الاقتصادية لهذه الأماكن والمشاريع، ونقمة بما تنتجه من مخلفات.

من هنا فكرت سائدة في استهداف المكان، فوجدت أن المخلفات في معظمها ورقية ناتجة عن كراتين فارغة تم إلقاؤها من قبل التجار في حسبة بيتا، إضافة إلى خضار تالفة يمكن أن تبدأ بها، لكن بدلا من إتلافها يعاد تدويرها لأي منتج يفيد البيئة.

أخذت الصورة تكتمل في مخيلتها مع نهاية العام الدراسي، حين يخرج الطلاب من مدارسهم ويبدأوا بالتخلص من الكتب القديمة وأوراق الامتحانات على الأرصفة، بينما يمكن استغلال هذه الأوراق بشكل أفضل.

وطال رصد فائدة معاصر الزيتون، والتي تنتج مخلفات ورق زيتون و"جفت" وغيره، ورأت أنها يمكن أن تصنع منتجا قابلا للاشتعال بصنع مكون يشمل أكثر من عنصر بنسب معينة.

أخذت سائدة ترسم مخطط مبادرتها، القائمة على جمع المخلفات الورقية والمخلفات العضوية من قشور خضار وما شابه، لتحضر خلطة معينة يتم استغلالها كمنتج يحتاجه كل بيت.

المخلفات المستهدفة، عبارة عن الورق والخبز الجاف، والقشور، ومخلفات عصر الزيت والجفت ونجارة الخشب وورق الزيتون، يتم طحنها معا لصنع قوالب من "خشب" يستخدم في التدفئة، كبديل عن أخشاب الأشجار التي يتم تقطيعها لاستخدامها في فصل الشتاء.


 

الطالبات شريكات

وانطلاقا من مقولة "اليد الواحدة لا تصفق" وجدت فائدة أن أكثر فئة من المجتمع يمكن أن تساعدها هي إحدى الفئات التي تساهم في إنتاج كمية كبيرة من المخلفات، وهي المدارس بمخلفاتها الورقية التي تمثل عبئا على المدرسة نفسها وعلى البيئة، مع الإشارة إلى أن هذه المخلفات مصنوعة من الشجر، ما يعني أنها جزء من البيئة وأصبحت عبئا عليها.

بقيت المبادرة تجول في بال فائدة، جربت مرة بل مرات كثيرة، وخرجت بمنتج قوالب "خشب" صناعي بديل عن الخشب الطبيعي الذي يتم حرقه بهدف التدفئة وغيره، وحملت فكرتها لتضعها في حاضنة ترعاها، اختارت أن تكون في مدرستها، حيث حصلت على وظيفة في مدرسة بنات مجدل بني فاضل، فطرحت الفكرة على المديرة وتم تجنيد طالبات المدرسة للعمل معها في هذه المبادرة.

عملت الطالبات بحب واندفاع، جمعن المخلفات الورقية فبدت المدرسة أكثر جمالا، كما قمن بنشر كراتين خاصة لجمع قشور الفواكه، وبقايا الطعام في استراحة المدرسة، فوجدت كل المخلفات طريقها إلى مكانها المخصص، ثم تم التجميع ومشاركة فائدة تصنيع منتجها، وإجراء تجارب الاحتراق عليه، ليخرج منتجا يشتعل بشكل جيد ولا ينتج عنه روائح مؤذية أو مواد سامة.

 

أهداف ممكنة

النسب المستخدمة في صنع المكون النهائي لم تكن ضمن تجربة كيماوية، حيث لا خبرة لفائدة في الكيمياء، إنما هي وليدة المحاولات العديدة دون يأس، وتكرار التجربة حتى نجاح الخلطة وتحقيقها الاحتراق الجيد صديق البيئة والإنسان.

المبادرة حققت أهدافها، والمتمثلة في الحد من تلوث البيئة، والتقليل من قطع الأشجار خاصة أشجار الزيتون التي تمثل هوية وتاريخ فلسطين الواجب الحفاظ عليهما.

كما أن المبادرة ان تم تطويرها وتعميمها؛ فهي تتبع معايير سلامة محددة تعتمد تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى مثل الحطب والغاز والكهرباء والنفط، حيث تقوم الفكرة على صناعة المنتج النهائي بعد تنظيف المخلفات الورقية من الجلود أو أي مواد بلاستيكية تنتج غازات سامة عند الاحتراق.


 

السعي لتعميم الفكرة

بدأت فائدة مشروعها بالمخلفات الورقية، ثم أضافت الخبز الجاف وبقايا الطعام، ثم مخلفات الخضار والفواكه، ثم مخلفات الزيتون، فالمبادرة التي يبلغ عمرها نحو أربع سنوات، كان في كل سنة يضاف لها إحدى المخلفات لتحقيق فائدة أكبر.

لم تحظَ فائدة بمن يساندها في مبادرتها من الجانب المادي وتغطية التكاليف للخروج بمنتج يصل كل المعامل والمصانع المنتجة للمخلفات، فبقي مشروعها غير ربحي وبلا أي تمويل، لكنها نجحت في نقل التجربة لبيوت الطالبات اللواتي تعلّمن تصنيع المنتج واعتمدنه في منازلهن، فالفائدة عُممت على نطاق ضيق.

تقول فائدة "احاول تعميم الفكرة على أكثر من منزل، لتحقيق الفائدة القصوى، وأتمنى أن أحظى يوما بمن يتبنى مبادرتي لتعميمها وتحقيق أهدافها الأشمل".

وفي هذا الإطار تقول فائدة أنها قد تواصلت مع مهندسة من مدينة نابلس ضمن تدريب لدعم مشاريع صغيرة ومتوسطة تابع لجامعة بيرزيت، حيث تم ضمها للمجموعة لتلقي تدريب في كيفية إدارة المشروع وما يتعلق به؛ بهدف تهيئته للتطبيق العملي الأوسع، وهو من بين 20 مشروعا تم اختيارهم في محافظتي نابلس والخليل، حيث يتلقى فيها أصحاب المبادرات والمشاريع الصغيرة التدريب على إدارة مشاريعهم ومحاولة تشبيكهم بمؤسسات داعمة، وبالنسبة لفائدة فتأمل الاستمرار في المبادرة وتطويرها ليصبح لديها خشب صناعي صديق للبيئة. (وطن) 

المصدر